مراد الناطور
تثير الزيارة المرتقبة للرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى العاصمة الفرنسية باريس غداً الأربعاء موجة من الانقسام داخل الأوساط السياسية الفرنسية، حيث تتباين المواقف ما بين مؤيد لها باعتبارها خطوة دبلوماسية بناءة، ومعارض يرى فيها تطبيعاً متسرعاً مع نظام لا تزال تحوم حوله شكوك حقوقية وديمقراطية.
معسكر المنتقدين: شكوك في الديمقراطية واتهامات بالتساهل
أبدت عدة شخصيات سياسية بارزة تحفظها على زيارة الشرع، معتبرة أنها تحمل رسائل خاطئة بشأن الموقف الفرنسي من الأزمة السورية.
كريستيل دانتورني، نائبة عن حزب “اتحاد اليمين للجمهورية”، عبّرت عن رفضها القاطع لهذه الزيارة، ووصفت أحمد الشرع بأنه “إرهابي سابق”، في إشارة إلى ماضيه المعارض المسلح للنظام السابق. وأضافت: “لا يمكن لفرنسا أن تفتح أبوابها لأشخاص لم يقدموا بعد ضمانات حقيقية حول الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”. كما طالبت بسحب الأوسمة التي منحت لأشخاص محسوبين على نظام الأسد، ومنهم المصور عمار عبد ربه.
من جانبه، شكك السيناتور روجيه كاروتشي (عن حزب الجمهوريين) في النوايا السياسية للنظام السوري الجديد، قائلاً إن “الحذر واجب عند التعامل مع أنظمة لم تتضح ملامحها بعد”، مطالباً الحكومة الفرنسية بموقف أكثر تحفظاً.
أما مارين لوبين، زعيمة حزب “التجمع الوطني”، فانضمت إلى صفوف المعارضين، مشيرة في بيان صحفي إلى أن “فرنسا ترتكب خطأ دبلوماسياً بدعوتها رئيساً انتقالياً غير منتخب بشكل ديمقراطي وذي خلفية غامضة”، مؤكدة أن أولويات فرنسا يجب أن تكون استقرار الداخل واحترام المعايير الديمقراطية في علاقاتها الخارجية.
معسكر المؤيدين: فرصة للانخراط في إعادة إعمار سوريا
على الجهة الأخرى، يرى مؤيدو الزيارة أنها تمثل لحظة دبلوماسية مهمة لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط، وفرصة لإعادة تموضعها السياسي في ظل التغييرات المتسارعة في سوريا.
ماتيو ري، الباحث المختص في الشؤون السورية، صرّح بأن “فرنسا أمام فرصة لإعادة الانخراط في الملف السوري من بوابة دعم الاستقرار وإعادة الإعمار”، مشيراً إلى أن تخلي الأسد عن الحكم يجب أن يُستغل لبناء علاقات جديدة على أسس أكثر توازناً.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، في جلسة برلمانية، أن “سقوط نظام الأسد أضعف النفوذين الروسي والإيراني في سوريا، وفتح المجال لمرحلة سياسية جديدة تتطلب انخراطاً فرنسياً مباشراً.”
النائب باسكال بريو (عن حزب “موديم” الحليف للحكومة)، أعرب عن دعمه للزيارة، وقال في تصريح صحفي: “لا يمكننا أن نغيب عن مرحلة إعادة تشكيل سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب. أحمد الشرع شخصية توافقية وجاء إلى السلطة في سياق تغيير فعلي. هذه فرصة سياسية يجب ألا نفوتها”. وأضاف أن “فرنسا لا تدعم أفراداً، بل تدعم مسارات سياسية تضمن الاستقرار للشعوب.”
مؤتمر دولي ومواقف متباينة
وتأتي زيارة الشرع بعد مؤتمر دولي حول سوريا نظمته فرنسا في شباط 2025، بحضور ممثلين عن القوى الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى وفد من الحكومة السورية الانتقالية. وهدف المؤتمر إلى دعم عملية السلام وتنسيق جهود إعادة الإعمار ورفع العقوبات تدريجاً عن سوريا.
خلاصة
تسلط الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع الضوء على الانقسام العميق في الموقف الفرنسي تجاه الأزمة السورية. ففي حين يراها البعض فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقات مع دمشق، يعتبرها آخرون خطوة متهورة قد تضعف موقف فرنسا الأخلاقي والدبلوماسي تجاه ملفات حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط.