أيهم الشيخ
تشهد سوريا مرحلة انتقالية معقدة، حيث تتزايد التحديات السياسية والأمنية في ظل مساعي دولية وإقليمية لتشكيل حكومة مركزية شاملة تضمن تمثيل جميع مكونات الشعب السوري. تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، التي نقلتها شبكة رووداو، أثارت نقاشاً واسعاً حول مستقبل الحل السياسي في سوريا. أكد باراك توقعات الولايات المتحدة بتشكيل حكومة مركزية شاملة قبل نهاية 2025، مع رفض الفيدرالية كحل سياسي، مشدداً على أهمية ضمان حقوق الأقليات دون فرض نماذج خارجية. كما تناول العلاقات مع تركيا، واصفاً لقاء الرئيسين الأمريكي والتركي بـ”أفضل من رائع”، مع تأكيد دعم تركيا للجهود الأمريكية. هذه التصريحات، إلى جانب تعليقات خبراء ومسؤولين سوريين، تفتح الباب أمام تحليل عميق لتطلعات الأطراف المختلفة وتحديات تحقيق الاستقرار. فيما يلي تقرير مفصل يستعرض تصريحات الضيوف مع سياق تمهيدي لكل منهم.
في ظل التعقيدات السياسية التي تعيشها سوريا، يبرز دور الولايات المتحدة كقوة دبلوماسية رئيسية تسعى لتوجيه المسار السياسي نحو استقرار مستدام. تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك، التي نقلتها شبكة رووداو، تعكس رؤية واشنطن لمستقبل سوريا. أكد باراك أن الولايات المتحدة تتوقع تشكيل حكومة سورية مركزية شاملة قبل نهاية 2025، تضمن حقوق جميع المكونات والأقليات، بما في ذلك الأكراد.
وأوضح: “نحن لا نرى في الفيدرالية حلاً مناسباً للأزمة السورية، بل نسعى لحكومة مركزية تضمن التمثيل العادل للجميع دون فرض إملاءات خارجية.”
وأشار باراك إلى أن الولايات المتحدة تدعم الأكراد وسائر المكونات السورية من خلال المساعدة والتوجيه، وليس عبر فرض نموذج أمريكي أو أوروبي. كما علق على أحداث السويداء، واصفاً إياها بـ”المؤسفة”، وأكد أن واشنطن تعمل على منع تكرار التوترات. وفي سياق العلاقات الإقليمية، أشاد باللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واصفاً إياه بـ”أفضل من رائع”، مع تأكيد تفهم تركيا للدور الأمريكي في دعم السلام. –
في سياق دبلوماسي متسارع، شهدت نيويورك لقاءات مهمة جمعت قادة ومسؤولين دوليين لبحث مستقبل سوريا. وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، قدم تحليلاً يعكس أهمية هذه اللقاءات في إعادة تموضع سوريا دولياً. قال علوان: *”اللقاءات التي جرت في نيويورك حملت أهمية كبيرة في كسر العزلة السياسية عن سوريا بشكل كامل، وإثبات إعادة تموضعها ضمن النظام العالمي.”
وأضاف أن هذه اللقاءات ركزت على بناء شراكات استراتيجية ومناقشة حل المشكلات، مما يُسهم في تسريع رفع العقوبات الاقتصادية وجذب الاستثمارات.
وأشار إلى أن قضايا مثل أزمة السويداء و”قسد” تتطلب تدخلاً إقليمياً ودولياً، مؤكداً أن الحكومة السورية تُظهر مرونة في تبني اللامركزية الإدارية مع الحفاظ على مركزية سياسية. وختم بالقول: “نحن في مرحلة انتقالية تتطلب إجراءات بسيطة، لكنها تُمهد لوضع النظام المستقبلي الذي سيعتمد عليه.”
في ظل جهود الحكومة السورية لتعزيز الوحدة الوطنية، يبرز دور الحوار مع مختلف الأطراف كأداة أساسية لتحقيق الاستقرار. الكاتب والصحفي السوري قحطان الشرقي، في حوار مع موقع “دمشق أكد التزام الحكومة بإشراك جميع مكونات الشعب السوري. وقال: “منذ إعلان التحرير، فتحت الحكومة أبواب الحوار مع مختلف القوميات والطوائف، بما في ذلك المختلفين معها سياسياً، بهدف تعزيز المشاركة الوطنية بعيداً عن الأجندات الأجنبية.”
وأوضح الشرقي أن الحكومة تمكنت من دمج العديد من الأطراف المعارضة، ولا تزال تسعى لاستقطاب المزيد عبر حوارات مفتوحة. وفيما يتعلق بالفيدرالية، أكد رفض سوريا لأي تقسيم جغرافي أو سياسي، مشيراً إلى أن هذا الموقف يحظى بتفهم إقليمي ودولي من دول مثل تركيا والأردن. واستشهد بتصريحات الرئيس السوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي جددت التأكيد على تمثيل جميع السوريين مع رفض الفيدرالية، وقال: *”هذا الموقف يحظى بإجماع السوريين الذين يدعمون وحدة سوريا تحت مظلة الدولة المركزية.”
تشكل القضية الكردية محوراً حساساً في النقاشات الدبلوماسية المتعلقة بسوريا، خاصة مع التفاهمات الأمريكية-التركية. الدكتور قتيبة فرحات، الباحث في الشؤون التركية، قدم تحليلاً لموقع “دمشق حول هذه التفاهمات. قال فرحات: “التفاهم الأمريكي-التركي يقوم على أساس المصلحة المشتركة، حيث تسعى واشنطن لتبديد مخاوف أنقرة من وجود جسم عسكري كردي شبه مستقل في شمال شرق سوريا.”
وأضاف أن البلدين يتفقان على ضرورة حكومة سورية شاملة تضمن تمثيلاً حقيقياً للأكراد دون السماح بطموحات انفصالية. وعن تصريحات المبعوث الأمريكي، قلل فرحات من أهميتها، واصفاً إياها بـ”الكلام المعسول” الذي لا يعكس بالضرورة السياسة الأمريكية الحقيقية. وأكد أن تركيا لن تواجه عقبات كبيرة إذا تم ضمان تمثيل الأكراد في حكومة شاملة بعيداً عن أي قوة عسكرية مستقلة، مضيفاً: “مشاركة الأكراد في حكومة بلادهم بتمثيل أوسع ستضمن حقوقهم المشروعة كجزء من الشعب السوري.”
تعكس تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك وتعليقات الخبراء السوريين، وائل علوان، قحطان الشرقي، وقتيبة فرحات، تعقيدات المشهد السياسي في سوريا. فيما تؤكد الولايات المتحدة على حكومة مركزية شاملة مع رفض الفيدرالية، تبرز جهود الحكومة السورية لتعزيز الحوار والوحدة الوطنية. تظهر التفاهمات الأمريكية-التركية محاولة لتحقيق توازن بين ضمان حقوق الأقليات، خاصة الأكراد، وتلبية مخاوف الحلفاء الإقليميين. مع استمرار النقاشات الدبلوماسية، يبقى السؤال حول قدرة الأطراف على تحقيق استقرار مستدام في سوريا، مع الحفاظ على وحدتها السياسية والجغرافية وسط تحديات إقليمية ودولية معقدة.








